قراءة سورة مريم مع التفسير
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ
كٓهٰیٰعٓصٓ(1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهٗ زَكَرِیَّا(2) اِذْ نَادٰى رَبَّهٗ نِدَآءً خَفِیًّا(3) قَالَ رَبِّ اِنِّیْ وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّیْ وَ اشْتَعَلَ الرَّاْسُ شَیْبًا وَّ لَمْ اَكُنْۢ بِدُعَآىٕكَ رَبِّ شَقِیًّا(4) وَ اِنِّیْ خِفْتُ الْمَوَالِیَ مِنْ وَّرَآءِیْ وَ كَانَتِ امْرَاَتِیْ عَاقِرًا فَهَبْ لِیْ مِنْ لَّدُنْكَ وَلِیًّا(5) یَّرِثُنِیْ وَ یَرِثُ مِنْ اٰلِ یَعْقُوْبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیًّا(6) یٰزَكَرِیَّاۤ اِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلٰمِ-ﹰاسْمُهٗ یَحْیٰىۙ-لَمْ نَجْعَلْ لَّهٗ مِنْ قَبْلُ سَمِیًّا(7) قَالَ رَبِّ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ كَانَتِ امْرَاَتِیْ عَاقِرًا وَّ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِیًّا(8) قَالَ كَذٰلِكَۚ-قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌ وَّ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَیْــٴًـا(9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِّیْۤ اٰیَةًؕ-قَالَ اٰیَتُكَ اَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلٰثَ لَیَالٍ سَوِیًّا(10) فَخَرَ جَ عَلٰى قَوْمِهٖ مِنَ الْمِحْرَابِ فَاَوْحٰۤى اِلَیْهِمْ اَنْ سَبِّحُوْا بُكْرَةً وَّ عَشِیًّا(11) یٰیَحْیٰى خُذِ الْكِتٰبَ بِقُوَّةٍؕ-وَ اٰتَیْنٰهُ الْحُكْمَ صَبِیًّا(12) وَّ حَنَانًا مِّنْ لَّدُنَّا وَ زَكٰوةًؕ-وَ كَانَ تَقِیًّا(13) وَّ بَرًّۢا بِوَالِدَیْهِ وَ لَمْ یَكُنْ جَبَّارًا عَصِیًّا(14) وَ سَلٰمٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَ یَوْمَ یَمُوْتُ وَ یَوْمَ یُبْعَثُ حَیًّا(15)وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ مَرْیَمَۘ-اِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ اَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِیًّا(16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُوْنِهِمْ حِجَابًا ﱏ فَاَرْسَلْنَاۤ اِلَیْهَا رُوْحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِیًّا(17) قَالَتْ اِنِّیْۤ اَعُوْذُ بِالرَّحْمٰنِ مِنْكَ اِنْ كُنْتَ تَقِیًّا(18) قَالَ اِنَّمَاۤ اَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ لِاَهَبَ لَكِ غُلٰمًا زَكِیًّا(19) قَالَتْ اَنّٰى یَكُوْنُ لِیْ غُلٰمٌ وَّ لَمْ یَمْسَسْنِیْ بَشَرٌ وَّ لَمْ اَكُ بَغِیًّا(20) قَالَ كَذٰلِكِۚ-قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنٌۚ-وَ لِنَجْعَلَهٗۤ اٰیَةً لِّلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِّنَّاۚ-وَ كَانَ اَمْرًا مَّقْضِیًّا(21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهٖ مَكَانًا قَصِیًّا(22) فَاَجَآءَهَا الْمَخَاضُ اِلٰى جِذْعِ النَّخْلَةِۚ-قَالَتْ یٰلَیْتَنِیْ مِتُّ قَبْلَ هٰذَا وَ كُنْتُ نَسْیًا مَّنْسِیًّا(23) فَنَادٰىهَا مِنْ تَحْتِهَاۤ اَلَّا تَحْزَنِیْ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِیًّا(24) وَ هُزِّیْۤ اِلَیْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسٰقِطْ عَلَیْكِ رُطَبًا جَنِیًّا(25) فَكُلِیْ وَ اشْرَبِیْ وَ قَرِّیْ عَیْنًاۚ-فَاِمَّا تَرَیِنَّ مِنَ الْبَشَرِ اَحَدًاۙ-فَقُوْلِیْۤ اِنِّیْ نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْمًا فَلَنْ اُكَلِّمَ الْیَوْمَ اِنْسِیًّا(26) فَاَتَتْ بِهٖ قَوْمَهَا تَحْمِلُهٗؕ-قَالُوْا یٰمَرْیَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَیْــٴًـا فَرِیًّا(27) یٰۤاُخْتَ هٰرُوْنَ مَا كَانَ اَبُوْكِ امْرَاَ سَوْءٍ وَّ مَا كَانَتْ اُمُّكِ بَغِیًّا(28) فَاَشَارَتْ اِلَیْهِؕ-قَالُوْا كَیْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا(29) قَالَ اِنِّیْ عَبْدُ اللّٰهِ ﳴ اٰتٰىنِیَ الْكِتٰبَ وَ جَعَلَنِیْ نَبِیًّا(30) وَّ جَعَلَنِیْ مُبٰرَكًا اَیْنَ مَا كُنْتُ۪-وَ اَوْصٰنِیْ بِالصَّلٰوةِ وَ الزَّكٰوةِ مَا دُمْتُ حَیًّا(31) وَّ بَرًّۢا بِوَالِدَتِیْ-وَ لَمْ یَجْعَلْنِیْ جَبَّارًا شَقِیًّا(32) وَ السَّلٰمُ عَلَیَّ یَوْمَ وُلِدْتُّ وَ یَوْمَ اَمُوْتُ وَ یَوْمَ اُبْعَثُ حَیًّا(33) ذٰلِكَ عِیْسَى ابْنُ مَرْیَمَۚ-قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِیْ فِیْهِ یَمْتَرُوْنَ(34) مَا كَانَ لِلّٰهِ اَنْ یَّتَّخِذَ مِنْ وَّلَدٍۙ-سُبْحٰنَهٗؕ-اِذَا قَضٰۤى اَمْرًا فَاِنَّمَا یَقُوْلُ لَهٗ كُنْ فَیَكُوْنُ(35) وَ اِنَّ اللّٰهَ رَبِّیْ وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوْهُؕ-هٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِیْمٌ(36) فَاخْتَلَفَ الْاَحْزَابُ مِنْۢ بَیْنِهِمْۚ-فَوَیْلٌ لِّلَّذِیْنَ كَفَرُوْا مِنْ مَّشْهَدِ یَوْمٍ عَظِیْمٍ(37) اَسْمِـعْ بِهِمْ وَ اَبْصِرْۙ-یَوْمَ یَاْتُوْنَنَا لٰكِنِ الظّٰلِمُوْنَ الْیَوْمَ فِیْ ضَلٰلٍ مُّبِیْنٍ(38) وَ اَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ اِذْ قُضِیَ الْاَمْرُۘ-وَ هُمْ فِیْ غَفْلَةٍ وَّ هُمْ لَا یُؤْمِنُوْنَ(39) اِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْاَرْضَ وَ مَنْ عَلَیْهَا وَ اِلَیْنَا یُرْجَعُوْنَ(40)وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِبْرٰهِیْمَ۬ؕ-اِنَّهٗ كَانَ صِدِّیْقًا نَّبِیًّا(41) اِذْ قَالَ لِاَبِیْهِ یٰۤاَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا یَسْمَعُ وَ لَا یُبْصِرُ وَ لَا یُغْنِیْ عَنْكَ شَیْــٴًـا(42) یٰۤاَبَتِ اِنِّیْ قَدْ جَآءَنِیْ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ یَاْتِكَ فَاتَّبِعْنِیْۤ اَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِیًّا(43) یٰۤاَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّیْطٰنَؕ-اِنَّ الشَّیْطٰنَ كَانَ لِلرَّحْمٰنِ عَصِیًّا(44) یٰۤاَبَتِ اِنِّیْۤ اَخَافُ اَنْ یَّمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمٰنِ فَتَكُوْنَ لِلشَّیْطٰنِ وَلِیًّا(45) قَالَ اَرَاغِبٌ اَنْتَ عَنْ اٰلِهَتِیْ یٰۤاِبْرٰهِیْمُۚ-لَىٕنْ لَّمْ تَنْتَهِ لَاَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِیْ مَلِیًّا(46) قَالَ سَلٰمٌ عَلَیْكَۚ-سَاَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّیْؕ-اِنَّهٗ كَانَ بِیْ حَفِیًّا(47) وَ اَعْتَزِلُكُمْ وَ مَا تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ وَ اَدْعُوْا رَبِّیْ ﳲ عَسٰۤى اَلَّاۤ اَكُوْنَ بِدُعَآءِ رَبِّیْ شَقِیًّا(48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ مَا یَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّٰهِۙ-وَهَبْنَا لَهٗۤ اِسْحٰقَ وَ یَعْقُوْبَؕ-وَ كُلًّا جَعَلْنَا نَبِیًّا(49) وَ وَهَبْنَا لَهُمْ مِّنْ رَّحْمَتِنَا وَ جَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِیًّا(50)وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ مُوْسٰۤى-اِنَّهٗ كَانَ مُخْلَصًا وَّ كَانَ رَسُوْلًا نَّبِیًّا(51) وَ نَادَیْنٰهُ مِنْ جَانِبِ الطُّوْرِ الْاَیْمَنِ وَ قَرَّبْنٰهُ نَجِیًّا(52) وَ وَهَبْنَا لَهٗ مِنْ رَّحْمَتِنَاۤ اَخَاهُ هٰرُوْنَ نَبِیًّا(53) وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِسْمٰعِیْلَ-اِنَّهٗ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَ كَانَ رَسُوْلًا نَّبِیًّا(54) وَ كَانَ یَاْمُرُ اَهْلَهٗ بِالصَّلٰوةِ وَ الزَّكٰوةِ۪-وَ كَانَ عِنْدَ رَبِّهٖ مَرْضِیًّا(55) وَ اذْكُرْ فِی الْكِتٰبِ اِدْرِیْسَ-اِنَّهٗ كَانَ صِدِّیْقًا نَّبِیًّا(56) وَّ رَفَعْنٰهُ مَكَانًا عَلِیًّا(57) اُولٰٓىٕكَ الَّذِیْنَ اَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَیْهِمْ مِّنَ النَّبِیّٖنَ مِنْ ذُرِّیَّةِ اٰدَمَۗ-وَ مِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوْحٍ-وَّ مِنْ ذُرِّیَّةِ اِبْرٰهِیْمَ وَ اِسْرَآءِیْلَ-وَ مِمَّنْ هَدَیْنَا وَ اجْتَبَیْنَاؕ-اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِمْ اٰیٰتُ الرَّحْمٰنِ خَرُّوْا سُجَّدًا وَّ بُكِیًّا(58)
السجدة
فَخَلَفَ مِنْۢ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ اَضَاعُوا الصَّلٰوةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا(59) اِلَّا مَنْ تَابَ وَ اٰمَنَ وَ عَمِلَ صَالِحًا فَاُولٰٓىٕكَ یَدْخُلُوْنَ الْجَنَّةَ وَ لَا یُظْلَمُوْنَ شَیْــٴًـا(60) جَنّٰتِ عَدْنِ ﹰالَّتِیْ وَعَدَ الرَّحْمٰنُ عِبَادَهٗ بِالْغَیْبِؕ-اِنَّهٗ كَانَ وَعْدُهٗ مَاْتِیًّا(61) لَا یَسْمَعُوْنَ فِیْهَا لَغْوًا اِلَّا سَلٰمًاؕ-وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِیْهَا بُكْرَةً وَّ عَشِیًّا(62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِیْ نُوْرِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِیًّا(63) وَ مَا نَتَنَزَّلُ اِلَّا بِاَمْرِ رَبِّكَۚ-لَهٗ مَا بَیْنَ اَیْدِیْنَا وَ مَا خَلْفَنَا وَ مَا بَیْنَ ذٰلِكَۚ-وَ مَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیًّا(64) رَبُّ السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ وَ مَا بَیْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَ اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهٖؕ-هَلْ تَعْلَمُ لَهٗ سَمِیًّا(65)وَ یَقُوْلُ الْاِنْسَانُ ءَاِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ اُخْرَ جُ حَیًّا(66) اَوَ لَا یَذْكُرُ الْاِنْسَانُ اَنَّا خَلَقْنٰهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ یَكُ شَیْــٴًـا(67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّیٰطِیْنَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِیًّا(68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِیْعَةٍ اَیُّهُمْ اَشَدُّ عَلَى الرَّحْمٰنِ عِتِیًّا(69) ثُمَّ لَنَحْنُ اَعْلَمُ بِالَّذِیْنَ هُمْ اَوْلٰى بِهَا صِلِیًّا(70) وَ اِنْ مِّنْكُمْ اِلَّا وَارِدُهَاۚ-كَانَ عَلٰى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِیًّا(71) ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِیْنَ اتَّقَوْا وَّ نَذَرُ الظّٰلِمِیْنَ فِیْهَا جِثِیًّا(72) وَ اِذَا تُتْلٰى عَلَیْهِمْ اٰیٰتُنَا بَیِّنٰتٍ قَالَ الَّذِیْنَ كَفَرُوْا لِلَّذِیْنَ اٰمَنُوْۤاۙ-اَیُّ الْفَرِیْقَیْنِ خَیْرٌ مَّقَامًا وَّ اَحْسَنُ نَدِیًّا(73) وَ كَمْ اَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنْ قَرْنٍ هُمْ اَحْسَنُ اَثَاثًا وَّ رِءْیًا(74) قُلْ مَنْ كَانَ فِی الضَّلٰلَةِ فَلْیَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمٰنُ مَدًّاۚ۬-حَتّٰۤى اِذَا رَاَوْا مَا یُوْعَدُوْنَ اِمَّا الْعَذَابَ وَ اِمَّا السَّاعَةَؕ-فَسَیَعْلَمُوْنَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَّ اَضْعَفُ جُنْدًا(75) وَ یَزِیْدُ اللّٰهُ الَّذِیْنَ اهْتَدَوْا هُدًىؕ-وَ الْبٰقِیٰتُ الصّٰلِحٰتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَّ خَیْرٌ مَّرَدًّا(76) اَفَرَءَیْتَ الَّذِیْ كَفَرَ بِاٰیٰتِنَا وَ قَالَ لَاُوْتَیَنَّ مَالًا وَّ وَلَدًا(77) اَطَّلَعَ الْغَیْبَ اَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْدًا(78) كَلَّاؕ-سَنَكْتُبُ مَا یَقُوْلُ وَ نَمُدُّ لَهٗ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا(79) وَّ نَرِثُهٗ مَا یَقُوْلُ وَ یَاْتِیْنَا فَرْدًا(80) وَ اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِ اللّٰهِ اٰلِهَةً لِّیَكُوْنُوْا لَهُمْ عِزًّا(81) كَلَّاؕ-سَیَكْفُرُوْنَ بِعِبَادَتِهِمْ وَ یَكُوْنُوْنَ عَلَیْهِمْ ضِدًّا(82)اَلَمْ تَرَ اَنَّاۤ اَرْسَلْنَا الشَّیٰطِیْنَ عَلَى الْكٰفِرِیْنَ تَؤُزُّهُمْ اَزًّا(83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَیْهِمْؕ-اِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا(84) یَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِیْنَ اِلَى الرَّحْمٰنِ وَفْدًا(85) وَّ نَسُوْقُ الْمُجْرِمِیْنَ اِلٰى جَهَنَّمَ وِرْدًا(86) لَا یَمْلِكُوْنَ الشَّفَاعَةَ اِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمٰنِ عَهْدًا(87) وَ قَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمٰنُ وَلَدًا(88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَیْــٴًـا اِدًّا(89) تَكَادُ السَّمٰوٰتُ یَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْاَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90) اَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمٰنِ وَلَدًا(91) وَ مَا یَنْۢبَغِیْ لِلرَّحْمٰنِ اَنْ یَّتَّخِذَ وَلَدًا(92) اِنْ كُلُّ مَنْ فِی السَّمٰوٰتِ وَ الْاَرْضِ اِلَّاۤ اٰتِی الرَّحْمٰنِ عَبْدًا(93) لَقَدْ اَحْصٰىهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَ كُلُّهُمْ اٰتِیْهِ یَوْمَ الْقِیٰمَةِ فَرْدًا(95) اِنَّ الَّذِیْنَ اٰمَنُوْا وَ عَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا(96) فَاِنَّمَا یَسَّرْنٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِیْنَ وَ تُنْذِرَ بِهٖ قَوْمًا لُّدًّا(97) وَ كَمْ اَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنْ قَرْنٍؕ-هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ اَحَدٍ اَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا(98)
أقرأ المزيد: سورة الكهف
سورة مريم تفسير
«كَهيعَص» الله أعلم بمراده بذلك. (١) هذا «ذكر رحمة ربك عبده» مفعول رحمة «زكريا» بيان له. (٢) «إذ» متعلق برحمة «نادى ربه نداءً» مشتملاً على دعاء «خفيا» سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة. (٣) «قال رب إني وهن» ضعف «العظم» جميعه «مني واشتعل الرأس» مني «شيبا» تمييز محوَّل عن الفاعل أي: انتشر الشيب في شعره كما ينتشر شعاع النار في الحطب وإني أريد أن أدعوك «ولم أكن بدعائك» أي: بدعائي إياك «ربّ شقيا» أي: خائبا فيما مضى فلا تخيبني فيما يأتي. (٤) «وإني خفت الموالي» أي الذين يلوني في النسب كبني العم «من ورائي» أي بعد موتي على الدين أن يُضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين «وكانت امرأتي عاقرا» لا تلد «فهب لي من لدنك» من عندك «وليا» ابنا. (٥) «يَرثني» بالجزم جواب الأمر وبالرفع صفة وليا «ويرث» بالوجهين «من آل يعقوب» جدّي، العلم والنبوة «واجعله رب رضيا» أي: مرضيا عندك. قال تعالى في إجابة طلبه الابن الحاصل به رحمته: (٦) «يا زكريا إنا نبشرك بغلامِ» يَرثُ كما سألت «اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا» أي: مسمى بيحيى. (٧) «قال ربّ أنَّى» كيف «يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا» من عتا: يبس، أي نهاية السن مائة وعشرين سنة وبلغت امرأته ثمانية وتسعين سنة وأصل عتى: عتو وكسرت التاء تخفيفا وقلبت الواو الأولى ياء لمناسبة الكسرة والثانية ياء لتدغم فيها الياء. (٨) «قال» الأمر «كذلك» من خلق غلام منكما «قال ربك هو عليَّ هين» أي: بأن أرد عليك قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق «وقد خلقتك من قبل ولم تكُ شيئا» قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به. (٩) «قال رب اجعل آية» أي علامة على حمل امرأتي «قال آيتك» عليه «ألا تكلم الناس» أي تمتنع من كلامهم بخلاف ذكر الله «ثلاث ليال» أي بأيامها كما في آل عمران ثلاثة أيام «سَويا» حال من فاعل تكلم أي بلا علة. (١٠) «فخرج على قومه من المحراب» أي المسجد وكانوا ينتظرون فتحه ليصلوا فيه بأمره على العادة «فأوحى» أشار «إليهم أن سبحوا» صلوا «بُكرة وعشيا» أوائل النهار وأواخره على العادة فعلم بمنعه من كلامهم حملها بيحيى، وبعد ولادته بسنتين قال الله تعالى له: (١١)
«يا يحيى خذ الكتاب» أي: التوراة «بقوة» بجد «وآتيناه الحكم» النبوة «صبيا» ابن ثلاث سنين. (١٢) «وحنانا» رحمة للناس «من لدنا» من عندنا «وزكاة» صدقة عليهم «وكان تقيا» روي أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها. (١٣) «وبرّا بوالديه» أي: محسنا إليهما «ولم يكن جبارا» متكبرا «عصيا» عاصيا لربه. (١٤) «وسلامٌ» منا «عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا» أي: في هذه الأيام المخوفة التي يرى ما لم يره قبلها فهو آمن فيها. (١٥) «واذكر في الكتاب» القرآن «مريم» أي: خبرها «إذ» حين «انتبذت من أهلها مكانا شرقيا» أي: اعتزلت في مكان نحو الشرق من الدار. (١٦) «فاتخذت من دونهم حجابا» أرسلت سترا تستتر به لتفلي رأسها أو ثيابها أو تغسل من حيضها «فأرسلنا إليها روحنا» جبريل «فتمثل لها» ب لبسها ثيابها «بشرا سويا» تام الخلق. (١٧) «قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا» فتنتهي عني بتعوذي. (١٨) «قال إنما أنا رسول ربك ليهب لك غلاما زكيا» بالنبوة. (١٩) «قالت أنَّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر» يتزوج «ولم أك بغيّا» زانية. (٢٠) «قال» الأمر «كذلك» من خلق غلام منك من غير أب «قال ربك هو عليَّ هينٌ» أي: بأن ينفخ بأمري جبريل فيك فتحملي به ولكون ما ذكر في معنى العلة عطف عليه «ولنجعله آيةً للناس» على قدرتنا «ورحمة منا» لمن آمن به «وكان» خلقه «أمرا مقضيا» به في علمي فنفخ جبريل في جيب درعها فأحست بالحمل في بطنها مصورا. (٢١) «فحملته فانتبذت» تنحَّت «به مكانا قصيا» بعيدا من أهلها. (٢٢) «فأجاءَها» جاءَ بها «المخاض» وجع الولادة «إلى جذع النخلة» لتعتمد عليه فولدت والحمل والتصوير والولادة في ساعة «قالت يا» للتنبيه «ليتني متُّ قبل هذا» الأمر «وكنت نسيا منسيا» شيئا متروكا لا يعرف ولا يذكر. (٢٣) «فناداها من تحتها» أي: جبريل وكان أسفل منها «ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا» نهر ماء كان قد انقطع. (٢٤) «وهزي إليك بجذع النخلة» كانت يابسة والباء زائدة «تساقط» أصله بتاءين قلبت الثانية سينا وأدغمت في السين، وفى قراءة تركها «عليك رطبا» تمييز «جنيا» صفته. (٢٥)
«فكلي» من الرطب «واشربي» من السري «وقري عينا» بالولد تمييز محول من الفاعل أي: لتقر عينك به أي: تسكن فلا تطمح إلى غيره «فإما» فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة «ترين» حذفت منه لام الفعل وعينه وألقيت حركتها على الراء وكسرت ياء الضمير لالتقاء الساكنين «من البشر أحدا» فيسألك عن ولدك «فقولي إني نذرت للرحمن صوما» أي إمساكا عن الكلام في شأنه وغيره من الأناسي بدليل «فلن أكلم اليوم إنسا» أي: بعد ذلك. (٢٦) «فأتت به قومها تحمله» حال فرأوه «قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا» عظيما حيث أتيت بولد من غير أب. (٢٧) «يا أخت هارون» هو رجل صالح أي: يا شبيهته في العفة «ما كان أبوك أمرأ سوء» أي: زانيا «وما كانت أمك بغيا» زانية فمن أين لك هذا الولد. (٢٨) «فأشارت» لهم «إليه» أن كلموه «قالوا كيف نكلم من كان» أي وجد «في المهد صبيا. (٢٩) «قال إني عبد الله آتاني الكتاب» أي: الإنجيل «وجعلني نبيا». (٣٠) «وجعلني مباركا أينما كنت» أي: نفاعا للناس إخبار بما كتب له «وأوصاني بالصلاة والزكاة» أمرني بهما «ما دمت حيا». (٣١) «وبرا بوالدتي» منصوب بجعلني مقدرا «ولم يجعلني جبارا» متعاظما «شقيا» عاصيا لربه. (٣٢) «والسلام» من الله «عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا» يقال فيه ما تقدم في السيد يحيى. قال تعالى: (٣٣) «ذلك عيسى ابن مريم قولُ الحق» بالرفع خبر مبتدأ مقدر أي: قول ابن مريم وبالنصب بتقدير قلت، والمعنى القول الحق «الذي فيه يمترون» من المرية أي: يشكون وهم النصارى: قالوا إن عيسى ابن الله، كذبوا. (٣٤) «ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه» تنزيها له عن ذلك «إذا قضى أمرا» أي: أراد أن يحدثه «فإنما يقول له كن في فيكونُ» بالرفع بتقدير هو، وبالنصب بتقدير أن ومن ذلك خلق عيسى من غير أب. (٣٥) (وأن الله ربي وربكم فاعبدوه) بفتح أن بتقدير اذكر، وبكسرها بتقدير قل بدليل “” ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم “” (هذا) المذكور (صراط) طريق (مستقيم) مؤد إلى الجنة. (٣٦) «فاختلف الأحزاب من بينهم» أي النصارى في عيسى أهو ابن الله أو إله معه أو ثالث ثلاثة «فويل» فشدة عذاب «للذين كفروا» بما ذكر وغيره «من مشهد يوم عظيم» أي: حضور يوم القيامة وأهواله. (٣٧) «أسمع بهم وأبصر» بهم صيغتا تعجب بمعنى ما أسمعهم وما أبصرهم «يوم يأتوننا» في الآخرة «لكن الظالمون» من إقامة الظاهر مقام المضمر «اليوم» أي: في الدنيا «في ضلال مبين» أي بين به صموا عن سماع الحق وعموا عن إبصاره أي: اعجب منهم يا مخاطب في سمعهم وإبصارهم في الآخرة بعد أن كانوا في الدنيا صما عميا. (٣٨)
«وأنذرهم» خوّف يا محمد كفار مكة «يوم الحسرة» هو يوم القيامة يتحسر فيه المسيء على ترك الإحسان في الدنيا «إذ قُضي الأمر» لهم فيه بالعذاب «وهم» في الدنيا «في غفلة» عنه «وهم لا يؤمنون» به. (٣٩) «إنا نحن» تأكيد «نرث الأرض ومن عليها» من العقلاء وغيرهم بإهلاكهم «وإلينا يرجعون» فيه للجزاء. (٤٠) «واذكر» لهم «في الكتاب إبراهيم» أي: خبره «إنه كان صديقا» مبالغا في الصدق «نبيا» ويبدل من خبره. (٤١) «إذ قال لأبيه» آزر «يا أبت» التاء عوض عن ياء الإضافة ولا يجمع بينهما وكان يعبد الأصنام «لمَ تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك» لا يكفيك «شيئا» من نفع أو ضر. (٤٢) «يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا» طريقا «سويا» مستقيما. (٤٣) «يا أبت لا تعبد الشيطان» بطاعتك إياه في عبادة الأصنام «إن الشيطان كان للرحمن عصيا» كثير العصيان. (٤٤) «يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن» إن لم تتب «فتكون للشيطان وليا» ناصرا وقرينا في النار. (٤٥) «قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم» فتعيبها «لئن لم تنته» عن التعرض لها «لأرجمنَّك» بالحجارة أو بالكلام القبيح فاحذرني «واهجرني مليّا» دهرا طويلاً. (٤٦) (قال سلام عليك) مني أي لا أصيبك بمكروه (سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) من حفي أي بارا فيجيب دعائي وقد أوفى بوعده المذكور في الشعراء “” واغفر لأبي “” وهذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله كما ذكره في براءة. (٤٧) «وأعتزلكم وما تدعون» تعبدون «من دون الله وأدعو» أعبد «ربي عسى أ» ن «لا أكون بدعاء ربي» بعبادته «شقيا» كما شقيتم بعبادة الأصنام. (٤٨) «فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله» بأن ذهب إلى الأرض المقدسة «وهبنا له» ابنين يأنس بهما «إسحاق ويعقوب وكلا» منهما «جعلنا نبيا». (٤٩) «ووهبنا لهم» للثلاثة «من رحمتنا» المال والولد «وجعلنا لهم لسان صدق عليا» رفيعا هو الثناء الحسن في جميع أهل الأديان. (٥٠) «واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا» بكسر اللام وفتحها من أخلص في عبادته وخلصه الله من الدنس «وكان رسولاً نبيا». (٥١)
(وناديناه) بقول “” يا موسى إني أنا الله “” (من جانب الطور) اسم جبل (الأيمن) أي الذي يلي يمين موسى حين أقبل من مدين (وقربناه نجيا) مناجيا بأن أسمعه الله تعالى كلامه. (٥٢) «ووهينا له من رحمتنا» نعمتنا «أخاه هارون» بدل أو عطف بيان «نبيا» حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسنَّ منه. (٥٣) «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد» لم يعد شيئا إلا وفى به وانتظر من وعده ثلاثة أيام أيام أو حولاً حتى رجع إليه في مكانه «وكان رسولاً» إلى جُرهم «نبيا». (٥٤) «وكان يأمر أهله» أي قومه «بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا» أصله مرضوو قبلت الواوان ياءين والضمة كسرة. (٥٥) «واذكر في الكتاب إدريس» هو جدّ أبي نوح «إنه كان صديقا نبيا». (٥٦) «ورفعناه مكانا عليا» هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة أدخلها بعد أن أذيق الموت وأحيي ولم يخرج منها. (٥٧) «أولئك» مبتدأ «الذين أنعم الله عليهم» صفة له «من النبيين» بيان له وهو في معنى الصفة وما بعده إلى جملة الشرط صفة للنبيين فقوله «من ذرية آدم» أي إدريس «وممن حملنا مع نوح» في السفينة أي إبراهيم ابن ابنه سام «ومن ذرية إبراهيم» أي إسماعيل وإسحاق ويعقوب «و» من ذرية «إسرائيل» هو يعقوب أي موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى «وممن هدينا واجتبينا» أي من جملتهم وخبر أولئك «إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا» جمع ساجد وباك أي فكونوا مثلهم وأصل بكي بكوي قبلت الواو ياء والضمة كسرة. (٥٨) «فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة» بتركها كاليهود والنصارى «واتبعوا الشهوات» من المعاصي «فسوف يلقون غيّا» هو واد في جهنم، أي يقعون فيه. (٥٩) «إلا» لكن «من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون» ينقصون «شيئا» من ثوابهم. (٦٠) «جنات عدن» إقامة بدل من الجنة «التي وعد الرحمن عباده بالغيب» حال، أي غائبين عنها «إنه كان وعده» أي موعده «مأتيا» بمعنى آتيا وأصله مأتوي أو موعوده هنا الجنة يأتيه أهله. (٦١) «لا يسمعون فيها لغوا» من الكلام «إلا» لكن يسمعون «سلاما» من الملائكة عليهم أو من بعضهم على بعض «ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا» أي على قدرهما في الدنيا، وليس في الجنة نهار ولا ليل بل ضوء ونور أبدا. (٦٢) «تلك الجنة التي نورث» نعطي وننزل «من عبادنا من كان تقيا» بطاعته، ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟. (٦٣) «وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا» أي أمامنا من أمور الآخرة «وما خلفنا» من أمور الدنيا «وما بين ذلك» أي: ما يكون في هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جمعيه «وما كان ربك نسيّا» بمعنى ناسيا أي: تاركا لك بتأخير الوحي عنك. (٦٤)
هو «ربّ» مالك «السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته» أي: اصبر عليها «هل تعلم له سميا» مسمى بذلك؟ لا. (٦٥) «ويقول الإنسان» المنكر للبعث أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية: «أئذا» بتحقيق الهمزة الثانية وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأخرى «ما متّ لسوف أخرج حيا» من القبر كما يقول محمد، فالاستفهام بمعنى النفي أي: لا أحيا بعد الموت وما زائدة للتأكيد وكذا اللام ورد عليه بقوله تعالى: (٦٦) «أولا يَذكرُ الإنسان» أصله يتذكر أبدلت التاء ذالا وأدغمت في الذال وفي قراءة تركها وسكون الذال وضم الكاف «أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا» فيستدل بالابتداء على الإعادة. (٦٧) «فوربك لنحشرنهم» أي المنكرين للبعث «والشياطين» أي نجمع كلا منهم وشيطانه في سلسلة «ثم لنحضرنهم حول جهنم» من خارجها «جثيا» على الركب جمع جاث وأصله جثوو أو جثوي من جثا يجثو أو يجثي لغتان. (٦٨) «ثم لننزعن من كل شيعة» فرقة منهم «أيهم أشد على الرحمن عتيا» جراءة. (٦٩) «ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها» أحق بجهنم الأشد وغيره منهم «صليا» دخولا واحتراقا فنبدأ بهم وأصله صلوي من صلي بكسر اللام وفتحها. (٧٠) «وإن» أي ما «منكم» أحد «إلا واردها» أي داخل جهنم «كان على ربك حتما مقضيا» حتمه وقضى به لا يتركه. (٧١) «ثم ننجِّي» مشددا ومخففا «الذين اتقوا» الشرك والكفر منها «ونذر الظالمين» بالشرك والكفر «فيها جثيا» على الركب. (٧٢) «وإذا تتلى عليهم» أي المؤمنين والكافرين «آياتنا» من القرآن «بينات» واضحات حال «قال الذين كفروا للذين آمنوا أيُّ الفريقين» نحن وأنتم «خير مقاما» منزلا ومسكنا بالفتح من قام وبالضم من أقام «وأحسن نديا» بمعنى النادي وهو مجتمع القوم يتحدثون فيه، يعنون نحن فنكون خيرا منكم قال تعالى: (٧٣) «وكم» أي كثيرا «أهلكنا قبلهم من قرن» أي أمة من الأمم الماضية «هم أحسن أثاثا» مالاً ومتاعا «ورئيا» منظرا من الرؤية فكما أهلكناهم لكفرهم هلك هؤلاء. (٧٤) «قل من كان في الضلالة» شرط جوابه «فليمدد» بمعنى الخبر أي يمد «له الرحمن مدا» في الدنيا يستدرجه «حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب» كالقتل والأسر «وإما الساعة» المشتملة على جهنم فيدخلونها «فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا» أعوانا أهم أم المؤمنون وجندهم الشياطين وجند المؤمنين عليهم الملائكة. (٧٥) «ويزيد الله الذين اهتدوا» بالإيمان «هدى» يما ينزل عليهم من الآيات «والباقيات الصالحات» هي الطاعة تبقى لصاحبها «خير عند ربك ثوابا وخير مردّا» أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية منا في مقابلة قولهم أي الفرقين خير مقاما. (٧٦)
«أفرأيت الذي كفر بآياتنا» العاص بن وائل «وقال» لخباب بن الأرث القائل له نبعث بعد الموت والمطالب له بمال «لأوتينَّ» على تقدير البعث «مالاً وولدا» فأقضيك، قال تعالى: (٧٧) «أطلع الغيب» أي أعلمه وأن يؤتى ما قاله واستغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل فحذفت «أم اتخذ عند الرحمن عهدا» بأن يؤتى ما قاله. (٧٨) «كلا» أي لا يؤتى ذلك «سنكتب» نأمر بكتب «ما يقول ونمدّ له العذاب مدا» نزيده بذلك عذابا فوق عذاب كفره. (٧٩) «ونرثه ما يقول» من المال والولد «ويأتينا» يوم القيامة «فردا» لا مال له ولا ولد. (٨٠) «واتخذوا» أي كفار مكة «من دون الله» الأوثان «آلهة» يعبدونهم «ليكونوا لهم عزا» شفعاء عند الله بألا يعذبوا. (٨١) (كلا) أي لا مانع من عذابهم (سيكفرون) أي الآلهة (بعبادتهم) أي ينفونها كما في آية أخرى “” ما كانوا إيانا يعبدون “” (ويكونون عليهم ضدا) أعوانا وأعداء. (٨٢) «ألم تر أنا أرسلنا الشياطين» سلطانهم «على الكافرين تؤزهم» تهيجهم إلى المعاصي «أزّا». (٨٣) «فلا تعجل عليهم» بطلب العذاب «إنما نعد لهم» الأيام والليالي أو الأنفاس «عدا» إلى وقت عذابهم. (٨٤) اذكر «يوم نحشر المتقين» بإيمانهم «إلى الرحمن وفدا» جمع وافد بمعنى: راكب. (٨٥) «ونسوق المجرمين» بكفرهم «إلى جهنم وردا» جمع وارد بمعنى ماش عطشان. (٨٦) «لا يملكون» أي الناس «الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا» أي شهادة أن لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. (٨٧) «وقالوا» أي اليهود والنصارى ومن زعم أن الملائكة بنات الله «اتخذ الرحمن ولدا» قال تعالى لهم: (٨٨) «لقد جئتم شيئا إدا» أي منكرا عظيما. (٨٩) «تكاد» بالتاء والياء «السماوات يتفطرن» بالتاء وتشديد الطاء بالانشقاق وفي قراءة بالنون «منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا» أي تنطبق عليهم من أجل. (٩٠) «أن دعوا للرحمن ولدا» قال تعالى: (٩١) «وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا» أي ما يليق به ذلك. (٩٢) «إن» أي ما «كل من في السماوات والأرض إلا آتي للرحمن عبداً» ذليلا خاضعا يوم القيامة منهم عزير وعيسى. (٩٣) «لقد أحصاهم وعدهم عدا» فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم ولا واحد منهم (٩٤) «وكلهم آتيه يوم القيامة فردا» بلا مال ولا نصير يمنعه. (٩٥)
«إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّا» فيما بينهم يتوادون ويتحابون ويحبهم الله تعالى. (٩٦) «فإنما يسرناه» أي القرآن «بلسانك» العربي «لتبشر به المتقين» الفائزين بالإيمان «وتنذر» تخوف «به قوما لُدّا» جمع ألد أي جدل بالباطل وهم كفار مكة. (٩٧) «وكم» أي كثيرا «أهلكنا قبلهم من قرن» أي أمة من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل «هل تحس» تجد «منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا» صوتا خفيا؟ لا، فكما أهلكنا أولئك نهلك هؤلاء. (٩٨)
الكلمات الدالة
سورة مريم | سورة مريم تفسير